الاثنين، 4 أغسطس 2014

على السطر

الفتاة (ج)
تشعر بالنعاس لأن قليلاً من المطهّر لم يوقظك
والكثير منه جعلك في حالة سُكر
نَم ..نَم على سجيّتك أيها الظنّ
سيعود بي القلم إلى خط النسخ ذات يوم
وحينها سأعيد طفولتي كما كانت
واضحة
بهية
شهية
منقّطة
مخربشة
مرتاحة
وعلى السّطر
لا تريد أن تكبر ..  ولا تنتظر ان تكبر .. تريد فقط أن :
تقلّد الكبار!
في الصحوِ في الخير في الحبّ كانت :
"كانت توظّف الحبّ في البحث عن مغامرة بين شجرتين إحداهما يتحلق حولها النمل ليصل إلى خبزة يابسة ، فتقرّب طعامه إلى وكره ، لتختصر الطريق عليه ، وتستند هي إلى الشجرة المحاذية..
حتى تُقرص!"
واليوم لا اشجار هنا .. ولا أوكار ولا ملاجئ ومازال شعور القرص يدوي فيّ
في الوطن ينامون هم على شهقات أطفالهم
وفي الشتات ننام على شهقات عقارب الساعة
وسن فاضح .. يقلب جفن الأرض بلا نوم
الحكاية طويلة والعجز واضح
لأشعر انا ايضا بالنعاس وأرتاع لذلك كثيراً :
أنا لا أرض لي وطُهرك مغشوش
نم على سجيتك أيها الظن
مغشوش ملعون محتال وضيع وكبيرٌ ..
كبير جدا .. حد الهرم!

السبت، 19 يوليو 2014

بصيرة

ما هذا؟
صوت خافت
من أي يأتي؟
من الداخل .. حيث الأنا تنبض والكراسة تتلون بالمخيلة
والجحيم؟
الجحيم تتقلص فوهته
من يرسم .. من يلون؟
الصوت الخافت ذاته
هل المكان معتم من حيث أتى؟
لا الصوت ملون يسل حد القلم من البصائر

الأحد، 6 يوليو 2014

هب أنك تتثنى

بعض الرؤى كفيلة بإعدام هذي الشوارع.. قد يستباح الوجود فيها بعد طول المغيب
"دع أوهامك على عتبة المكان .. وامشي"
يحني الخيال قامته للنهوض بنواصي الغابات إلى الأعالي ..
وتذهب بنا الأغنيات حد الثمالة
نزهة ..
"هب أنك تتثنى"
وغبار كثير فائض يفوق الأنا وتشظياتها ينبؤك أن الطريق طويل .. حيث تسكن العلياء في شوارع عقلك تنهمك كالمقامر بخوض الاحتمالات، لكن.. يقينا واحدا كاف لأن يوقف عجلة الزمن ويوقف تفاصيل المكان ورغما عنك تنفعل الإجابات دفعة واحدة .. ليتوقف كل شيء حولك :
"أنت .. لقد قمرت"
*أظنني متأثرة بحسين البرغوثي

نفور

هو لا يبدو كاذبا أبدا
لكنه لم يعد على حقيقته
عميل مزدوج مع نفسه على نفسه
الأمر مرهق .. ويستثيره على مهل
كأن تعويض مافاته في هذه الحياة أجدى من القيمة التي يخذلها في الذات
"الأنا تطالب بالمزيد من الوهم"
رويدا .. رويدا
يصبح الممنوع لديه مرغوبا بشدة؛ الأمر يشبه النظر من أعلى المباني شاهقة الارتفاع، سقوط مبرح لكنه لذيذ، شعور دفين ممتلئ بالعظمة .. والخزي أيضا!

أربعينية

امرأة في الأربعين من العمر
تملك يدين ناعمتين و وجها يصغرها ب10 سنوات
الأنثى مكتظة باحتمالاتها المحظوظة
فالحياة عاملت وجهها برفق، وخطت بعضا من التفاصيل تحت العينين وخطوطا حول الشفاه المكتنزة مما ينبؤ بأنها كانت امرأة ضحوكا .. طوال الوقت!
ألوان لباسها وقبعتها الأنيقة تحيطها بهالة الجمال غير المعهودة للنساء في الأربعين
كاللؤلؤ "الوحيد الثمين" تلمع تحت الشمس في استرخاء على شاطئ تناثرت أصدافه المتحسرة من حولها
تحاكي عيونها قراءة متأثرة لرواية الكبرياء والهوى
Pride& Prejudice
هي تجيد قراءة المشاعر البشرية في شخوص الرواية لكنها لا تحتفظ بردة الفعل طويلا ..
تركز على عهد التتحرر من آثام كل الروائيين الجاهلين بحكمة القارئ.. وقبل أن ينقض الكتاب ليأكل وجهها، تقفل بنشوة الانتصار على الصفحة الأخيرة لتضع الكتاب جانبا .. وتبتسم!
لكن هناك ما ينقصها
المشهد لم يكتمل بعد
هي تخفي شيئا ما .. حكاية واقعية لربما قد تظهر في .. علبة أسرار؟
أو في وردة جفت بين طيات رواياتها العالمية؟
رسالة غرامية في إطار مختبئة خلف صورة؟
ينقصها ماذا .. ؟ أو من؟
ما الذي يجعلني أقول ذلك؟
ماذا ينقص امرأة في الأربعين تمتلك الغنى في حكمتها واشاراتها العفوية تحررها لتعيش الحياة بنهم!
هل يستلزم الأمر وجود رجل في حياتها!
كي يكتمل المشهد! ربما؟!
لا ..
دعها ..كاللؤلؤ الوحيد الثمين!

الجمعة، 4 يوليو 2014

تيــَّاهـ



ذئابٌ بشرية تستطيع إلتهامك قبل أن تحلّ أحجية الغرائز العبثية
أنت تقفُ مشدوها على أعلى ناطحات السحاب
 أنت لا تعرف أبداً كيف وصلتَ إلى هناك لكنك موقن أن الأمر لم يكن صعوداً لربما قد سقطت بعظَمةٍ كونيّة من أعلى لكنك ستسقطُ أكثر إن لم تخاطب عظَمتكَ عواءَ الذئاب!
الصوتُ يتجلّى لذاتكَ البريّة .. مشهدٌ رأسيّ واقعيّ يجعلك ترضخ لكلّ رغبة شاءت أن تحدث على أرضها أو على .. حقيقة قحطك!
وحدكَ تشهق وتحاول ارخاء أحبالك الصوتيّة ولا مكان للزفير إلا من مسامِ جلدك المتيبسة والباردة!
هنا .. حالة اللاوعي ترجوكَ أن تبقى معها وأنت بكل ضعفك تأبى أن تفارقها!
برزت الأنياب قبل أوان الفرار .. وعيك تلاشى بالخوف لتبدأ بالسقوط.. بالانهيار!
"غناءُ لاهـٍ" احتفال يزمجر وذئاب تتلوى من شدة النّهم والغيظ، فرقعةُ أصابع، ضحكاتٌ استفزازية، وأدمغةٌ وعرة متأهبة للانقضاض!
"رقصةُ تيــَّاه" لإنك وحيد وفارغ.. بل لإنك مكتظ باللاشيء ومملوءٌ بفتاتِ الآخرين الصاخبين منهم والصاخبات؛ صرت مغشيَّ البصر والبصيرة، مرتعش الأنا، محنيَّ الظهر بفكرة محدودةِ الذكاء.. لتهتف وتيرتك المازوشية:

لستُ عظيماً. . ماتَ العظماء!

لأ مش أنا اللي أبكي!


هذه الليلة الخبيثة، تعرفُ كلّ الطرق التي تؤدي إلى التخييم في المنفى .. بضع شهقاتٍ وغربة، هل هو حقاً يبحث عن القيمة؟ 

اضطّرب عزفُ القرابين، صارَ النواح مستترا ً في الكون، حسّ بغيضٌ ومؤلم، أنينٌ خافت وهش، لكنه موجود .. ويؤكد استمراريته!

تعالي أنصتي للناي : إنّ ما يحكيه البوح لرجلٍ في خريف العمر؛ هو أن يظلّ منتظراً آملا .. لا يدركُ الكثير مما مضى سوى صور مشوّهة، آثامٍ لذيذة، وصدى لضحكات ردّها إليه المدى، دغدغ أوهامه وأوقظ الجنون فيه..
الجنون هنا.. يعني الهلع من الفقد والكثير من الرضا المرتاب، دعيني أقول لكِ أن كلّ هذه الوحشة.. ترتعد أوصافها من الداخل أكثر فأكثر، متجسّدة في عيون جاحظة، أنفٍ كبير، ظهرٍ محني، شعر كثيف جداً، غمازة تأبطها الزمن، وعلامة فارقة لأغنية هدّامة لا تفارق شريط ذاكرته : "لا .. مش أنا اللي أبكي!".

حسناً، لا أقول هذا كي أستجدي عاطفتك، إني أوضح أمراً قد يهمك:
لم يبك ِ حتى هذا اليوم، لم يبك ِ عندما انسلب فؤاده، ولا عندما فقد والدته ولم يبك ِ حين ارتوى بالفشل وأُتخم بالانهيار .. وهو لن يفعلَ ذلكَ الآن، لن يجازف على خسارة الملح واللهاث في قاع العمر..

لا مانع من الاحتمالات كي تصدقيني:
"لن يبكي" .. لو بكى لترنخ ما تبقى من أنفاسه بالهول والخشية من الندم..
الطامة التي ستحل بأشياءه الصغيره، رؤاه، غروره، مركزيته والعدم .. إن ترك كل ذلك و بكى!

لكن فلنفترض غير ذلك .. ماذا لو ضحك كثيرا ً وتأذت معدته واشتعلت بعد وجبة دسمة من "درب الظنون والآثام" وانهار الوتد الأبقى في عقله!
وماذا لو أنّّ اليقين قد رجاه جاهداً أن "استسلم" فخانته عيناه لينام .. إلى الأبد!

قولي لي الآن .. هل مازلتي تبحثين عن القيمة فيه؟ عن القيمة في رجل .. الحياة بالنسبة له كجبل وعر ومنجم ذهب لن ينضب، رجل تخاذل في بحثه عن القيمة في القوافي، خذل الجميع، انقلبت ظنونه وهماً كثيفاً.. واكتفى بالبحث عن الثمن!

**

موسيقى 


- ....... لا مش أنا اللي أبكي
ﻣﺶ ﺩﻱ ﺭﺍﺣﺔ ﻗﻠﺒﻲ ﻭﻻ‌ ﺩﻩ ﺍﻣﻞ ﺣﺒﻲ
ﺍﻟﻠﻲ ﺍﺗﻔﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ
ﺍﺷﻤﻌﻨﻰ ﺍﻧﺎ ﻋﻬﺪﻙ ﺻﻨﺘﻪ ﻭﺭﻋﻴﺖ ﻭﺩﻙ
ﻭﺍﻟﻌﻤﺮ ﺩﻩ ﺣﻮﺍﻟﻴﻪ
ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻠﻲ ﺑﻴﺤﺒﻚ ﻣﺎﻟﻮﺵ ﺛﻤﻦ ﻋﻨﺪﻙ
ﻭﺍﻟﻐﺎﻟﻲ ﻳﺮﺧﺺ ﻟﻴﻪ
ﺍﻧﺎ ﺭﺍﺡ ﺯﻣﺎﻧﻲ ﻫﺪﺭ ﻭﻻ‌ ﻛﺎﻧﺶ ﻋﻨﺪﻙ ﺧﺒﺮ
ﻭﻋﺎﻳﺰﻧﻲ ﺍﺭﺟﻊ ﺗﺎﻧﻲ ﻻ‌ *


"لا أدري إن كان يحصي نقوده الآن، أم أنه.. يدفع الثمن !
لكنها ظلّت تغني القوافي!"


*غناء محمد عبدالوهاب

فُقاعــة

الفكرة كالتالي:

الماء الصافي لا يصنع الفقاعات، وإنما الصابون يفعل ذلك! حسناً أنت تعلم هذا جيداً، ولا حاجة لي كي أعلمك .. لقد فعلت ذلك مسبقاً عندما كنت صغيراً تلهو بإحدى العلب الملوّنة، وتسارع بوخز فقاعات الصابون قبل أوان انفجارها! لكن دعني أخبرك ما أعنيه عندما أتحدث عن الحياة؛ الفقاعة العملاقة، والفراغ الكبير الذي يملؤها، وعن قشرة الأمل الزرقاء التي تحيطها .. نعم الأمر يدعو إلى السخرية بعض الشيء، أصبح الماء الصافي لعنة، و الأطفال كبار مغتاظون .. ومتحمسون للوخز! أقول لك .. الأمر ليس سهلا كما كان إلا أنه مازال يحتاج إلى القليل من الرغوة فقط، وكثير من الحشو البغيض ليكتمل المشهد.. لكنه -بحكم الكيمياء والفيزياء- سيحدث لا محال! على وجه الدقة؛ كل فقاعة ستؤول إلى الانفجار اذا لم يكن هناك صابون كثيف يملؤ سطح الماء .. وكلما كبرت الفقاعة زادت الطاقة عن حدها المسموح .. وتفاقم الألم بين الجزيئات "أو الأشخاص" لينقضي الأمر "أو الأمل" ففي نهاية المطاف ..

ستنفجر الفقاعة!


عوائش وفيروزيات|



مترنمة بصوتها وبأفكاري، "ماذا لو" المدى شهي الآن .. خال من الريبة والضياع، لذيذ .. والغريب أنه آمن أو لنقل غير محتال على الغفوة.. أما الصوت فهو جني يحاول أخذي إلى هناك .. الأمر ممتع كنزهة، ولا يشبه التيه أبدا!
أتخيلك الآن .. متكئ على وسادة مزعجة، تنظر حولك عاقد الحاجبين ذابل العينين، ألوان الغرفة حولك تعج بالزركشة كمشغل خياطة .. والموسيقى صديقة عنيفة .. لكن لها الفضل في انتشالك من هذا كله .. ستصطحبك إلى نزهة أيضا! " الصدف برية"
***
"أطفئوا الضوء.." -حان الآن موعد غناء فيروز -
إنك الآن مشدوه بأحاديثك وشؤونك الصغيرة وفلسفاتك الطويلة حول السعادة، والحياة.. و الأمنيات الكثيرة! بضع آهات ومقامات .. لتزهر الإجابة في أعلى التلة .. : "ياريت إنت وأنا .. " وتغفو ..
*** أما أنا مازلت مستيقظة و أفكر "ماذا لو".. إنني الآن على الضفة الأخرى ناقمة على هذا الجني المعتوه وقد وبخته بشدة .. إنه يقطف أزهار الفل في كل موسم منذ ألف عام ويضعها في بيت بعيد لعاشقين فتن بحبهما .. واستباح لأجلهما -بلا أسف- موت أزهار الفل! "شي بيت، أبعد بيت .. ممحي ورا حدود العتم والريح .. ويزهر ويدبل ألف موسم فل" ماذا لو أن أزهار الفل تبكي حبيسة إناءها كل موسم .. ماذا لو أنها ذبلت وحيدة وهي تعلم جيدا أن أصحاب هذا البيت بلا رائحة بلا حياة.. بلا أمنيات "ويضيع طريقك ما تعود تفل .. وتضل حدي تضل ..!" ماذا لو أنها اشتمت رائحة التيه قد وصل إليه .. ثم ذبلت قبل أوانها .. وغفت.
***
ذات الأمنيات واحدة أنا وأنت ولا أحد سوانا "نستطيع سماع صوت الجني والصديقة" يهيء إلي أنني سمعتك تقول الآه وظلت فيروز تغني "تضل حدي تضل.."
هل تكتب الأغنيات آهات المحبين وأمنياتهم؟ كل ما يحدث الآن أنني لم أختر بعد الأغنية الحقيقية التي قد تمثل ما بيننا! وأعرف جيدا أن الأغاني كثيرة والأكوان كذلك يا صديقي وهذا حال الأمنيات على الأرض..
لكن قل لي أنت ما الذي يصنع من الأغنية، عنوان قصة لرفيقين اعتادا السهر على صوت هذي الأمنيات؟ "انتهت الغفوة"
- ... ﻳﺎ ﺭﻳﺖ إﻧﺖ ﻭ ﺃﻧﺎ ﺑالبيت وﺗﻀﻞ ﺣﺪﻱ.. ﺗﻀﻞ ﺣﺪﻱ ﺗﻀﻞ ﻭ ﻣﺎ ﻳﻀﻞ ﺑﺎﻟﻘﻨﺪﻳﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺯﻳﺖ!
**

رتابَـة


الفتاة .. مازالت تجلس في مكانها المعهود، لم يعد هنالك في النص تأثيث للشعور، وتوزيع الأدوار لم يعد عبقريا .. المخرج لعوب لكنه ملول أكثر .. مجرد صف للأشياء كما هي .. او كما حدثت منذ البدء! المقعد الخشبي الأعزل على حاله وعامود الإنارة مكسور الزجاج ونواسة الإضاءة المرتجفة تارة والمتشنجة تارة أخرى تهيمن على روح المكان.. صوت أقدام المارة تخفت لتعود وتشتد بعشوائية .. او لربما وصول الحافلة هو السبب .. احتمال رتيب أيضا! يخيم على المكان أنا ضخمة وهائجة الظلال، هذي الأنا تئن بصوت أزرق محموم الأكتاف، لا يدري صاحب البيت المقابل إن كانت هذي الفتاة الجالسة برفق او بضعف؛ بائعة هوى او بائعة علكة نفد صبرها من التجوال والرؤى؛ لكنه يحدق إليها كل مساء منتظرا سماع أقدام على الدرج تنبؤ بقدوم زوجته الغافلة، التي بدورها تقف إلى جانبه وتنظر في عينيه الواسعتين والمحدقتين فتريحه من عناء التخيل الغريزي.. لتخمد سريرته وينطلق لسانه السليط فيبوح معها بالاستياء الشديد لحال الجالسات على المقاعد الخشبية في ليال صيفية .. يعود ركاب الحافلة منتشرين من وإلى هذه الشوارع المعتمة كأنهم جراد هذي الحياة .. آكلي الفرص او الومضات الانسانية، وتتنهد الزوجة بالراحة القصوى فتحليلها الرتيب لشهوة زوجها المكبوتة على أنها حمية اجتماعية للجالسات في الشارع العام.. أعانها على تصديق الكذب في عينيه.

متتالية أبجدية للتاء السرياليّة

الفتاة (أ)

لا ذكرى لدي .. لا ذكرى لدي عن امتعاضة هذا النسيان حتى!
لا ذكرى لنشوةِ طيرٍ هارب، فرّ من قصاص جناحيه فاستراح .. "ولربما كنت الجاني هنا .. فأذنبت"
لست أذكر!
لا ذكري لدي عن انحناءٍ من فوق الآنية الفضية لصبّ الشاي، كما تفعل الآنسات اللطيفات المجاملات .. "ولربما كان لي تأثير انحناءة واحدة .. فتزوجت!" لكن هل استطعت فعل ذلك حقا؟ آه لا أريد تذكر هذا الأمر تحديدا!
لا أذكر أي قفزة شقية من فوق سور المدرسة لفتاة هاربة من حصة العلوم الحياتية .. أو العلوم التأديبية! "هل كان المكان مدرسة أم ميتما أم بيتا؟" حسنا إن فعلت.. لكني لست أذكر!
الأسماء والصفات ومعانيها والألسنة الكثيرة والأسئلة المتزاحمة في صغري، لم أعد أذكر ما كنت عنه .. تسآئلت!
لا هوية لي في ألعاب البنات ولا في ألعاب الصبيان .. ولا أدري إن جرّبت يوما انهاء حياة نملة، أو إطعام قطة أو جذب ذيلها .. أو شتيمة أحدهم .. أو تملقه أو حتى سرقة الحلوى منه!
(الاحتمالات كثيرة، والطفولة اسطوانة ذكرى، أما العالم فهو المكان الرديء للتسجيل فيه!) **

الفتاة (ب)

أذكر صوت ضحكتي الأخيرة في عيد ميلادي الثالث عشر، كنت قد حفظت رنينها داخل علبة الألوان الشمعية.. حتى هذا اليوم ألون بالقلم الرصاص.
أذكر أنني انتحلت شخصيتي ذات مرة مشروطة، على أن أكون الآمرة على نفسي و أن تكون نفسي آمرة علي . . كنت على دراية بأنني أشترط دوما على نفسي كي تلتزم إحدانا بالشرط، لكن لم يحدث أن أسعفني هذا بالفوز بذكاء في لعبة الشطرنج وكنت اعود دوما لحكمة الأنا الأنثوية لدي وأتجنب تلك السليطة!
كان كل مافعلته أن اخترت توحيد اللونين: "انا اريد الأبيض والأسود معا" من الآن فصاعدا تغيرت قوانين اللعبة أريد ان يتحد الجيشان مرة واحدة، مرة واحدة فقط ونهزم حدود هذه الطاولة المطلية، وتقسيماتها غير العادلة.. كنت أدرك أنني حالما أصدر أوامري وينقلب الجيشان للضباب الكثيف؛ فلا مفر من حساب الملك والملكة معا! كل يحشر ويجازى بحسب أفعاله: 80 طعنة في ظهر الملك كي يجازى على خيانته و80 طعنة تراه الملكة أمام صدرها يجثو.. كي ترى الحقيقة اللعينة!
لكنني.. كنت شخصاً ملولاً! أذكر أنني ما إن أنتهى من لعبة حتى أنتقل للعبة أخرى ليكتمل المشهد كما شئت؛.. تتحول لعبة الأشياء إلى حواسٍ مهيئة للانقضاض على نفسي اللوامة "ما الذي فعلته بهم..؟"، كنت اشعر بعيوني ملتهبة كحرارة صيف صحراوي يجف فيه الريق ويغشى على البصر والسمع فيه ليبدأ المشهد بيني وبيني: .. غبار معركة محتدمة بين يدي اليمنى واليسرى، تلك تضيّق الخناق على الزند والأخرى تحاول تهشيم الأصابع! جازفت بكل أعصابي على أن أحقق نصراً داخلياً يطرق باب صدري بكلتا يداي المتحاربتان: أن توقفي الآن وإلا اقتلعنا قلبك! لكن .. ما كان مني إلا أن أنتقل إلى لعبة جديدة، تخفف أزمة الضحية والجاني، وتؤسس لعهد المتفرجين على حقيقة الأنا : لجميع العاهرين منهم والعاهرات .. "شكرا للتصفيق|
كان الأمر مؤثراً جداً فلم يكن من أحد معي ولا كنت أشاهد أحداً ولا يشاهدني! لكن مركزيتي في المكان والزمان أخذت أنفاسهم و خلقت مشهدا معالجا للعبة ثالثة على التوالي : "شد الحبل!" كانت الفكرة هي شد الحبل لأقصى ما يمكن .. على شقيقة رأسي! المضحك في الأمر أن الحبل كان مصنوعاً من شعري وكنت أجد في الأمر لذة في توظيف الشعر لجمهورٍ نهمٍ أتخم بالبلادة .. وحقاً كان التوظيف موفقا فالجميع صفق لي قبل أن تصبح رأسي أرضا جرداء!
كنت أترك اللعب حينا لأتنزه في عقلي أو في غيبوبة أفكاري التي ظلت تغويني للعب عند كل منعطف وكنت أرفض وأكمل مسيري بصعوبة، إلى أن صادفني انحدار حاد لصوت أناي السفلى: لعبة جديدة "التجديف"! عجوز مجنون يهرول مسرعاً إلى الشاطئ .. يبتلع أنفاسه والكلمات، صوته مزعج والرائحة كريهة .. أين أنا! آه .. اللعنة "إنني عالقة في حلقه!" اكتشفت حينها أنني وصلت لأحد أفواه المتفرجين، اللعب كان ممتعاً .. حتى تلك اللحظة، فعلاً لم أدري ما أفعل كيف سأجدف في حلق هذا العاهر الذي ما فتئ يشرب الكحول طوال العرض، كنت أراقبه ويدي تخنق الأخرى وأنا أصلي كي تتمدد إحدى يداي لتصل إلى القنينة المخبأة داخل معطفه "الغبي لم يفطن وهو يتظاهر بالنعاس ليشرب.. أنني رأيته" .. عجوز بغيض!
"حسنا .. الأمر يدعو إلى إبطال الحواس الآن، صوت معدته المهترئة، رائحته الكمونية الكريهة، وذاته القذرة .. لن تؤثر علي" حدثت نفسي بذلك"، لكن .. ومع أن المكان كان معتما جدا هناك إلا أنني وجدت بيداي عصا للتجديف وتسائلت: "إلى أين سأجدف .. إلى معدته! لالالا المكان مقرف هناك .. وسينتهي بي المطاف في أسوأ مؤخرة لرجل عجوز! آآه .. لم تعد هذه اللعبه ممتعة!! ليست كذلك الآن!"
حينها.. قررت في "عتمة المكان الباهرة" أن أترك القارب ليتكسر في معدته وكنت أتمنى بدناءة شديدة أن ينفجر من شدة الألم وبدأت بالتسلق للأعلى بوتد العصا نحو عقله أردت اقتحام اللعبة السفلية وسميتها "السقوط للأعلى" كان العاهر يرغمني على الوقوع في كل مرة يتنحنح فيها بعد ضحكة منفعلة، حاولت مرارا حتى استطعت الاقتراب قليلا من مكان محدب كالهضبة، سمعت صوتا يشبه صدى الأصداف وشممت رائحة تشبه مصانع الدهان والألوان.. اقتربت أكثر وأنا أحاول توضيح رؤيتي .. ظننتني وصلت لآلة عقله لكن ما بدا لي أن هناك إنارة خافتة تومض .. كالبرق وتختفي من جديد ..

يتبع »»